مع بدايات القرن العشرين وضع علماء النفس بعض
النظريات التي فسرت كيفية تعلم الإنسان السلوك الذي يقوم به، فمنهم من أعطى أهمية
للبيئة أو المثيرات الخارجية ومنهم من ركز على دزر العمليات العقلية في الاستجابات
ومنهم من مزج بين المدرستين. وسنعرض الآن لشرح مختصر لبعض مناحي التعلم والخصائص
المميزة لكل منحى:
1- المنحى السلوكي:
من أوائل المدراس التي بحثت في طرق التعلم.
في ظل المنحى السلوكي يدرس النفسيون الفرد من خلال النظر لسلوكه بدلاً من دراسة
الدماغ أو الجهاز العصبي وما يتصل بهما من عمليات عقلية. فالسلوك وفقاً لهم نوع من
البرمجة التي تظهر عند وجود مثير معين. كالشعور بالحنين عند سماع أغنية معينة تثير
ذكريات الماضي.
ويعد عالم النفس "جون واطسون" أول
من أكد أن السلوك ينبغي أن يكون الموضوع الرئيسي لعلم النفس في أوائل القرن
العشرين، وأكد واطسون أنه من خلال دراسة ما يفعله الأفراد – أي دراسة سلوكهم – فقط
يكون من الممكن أن يعد علم النفس علماً موضوعياً.
ويشير واطسون إلى أن علم النفس كما يراه
السلوكيون هو فرع تجريبي موضوعي من العلوم الطبيعية وهدفه النظري هو التنبؤ
والتحكم في السلوك.
أصبحت السلوكية هى المنحى السائد في الولايات
المتحدة منذ عام 1920 وحتى عام 1940. فقد حاول السلوكيون تفسير أسباب السلوك من
خلال وصف العلاقة بين الأحداث في البيئة "المنبهات" والإرجاع أو ردود
الأفعال لدى الإنسان والحيوان "الاستجابات".
وأرسى السلوكيون ما يعرف باسم التشريط المتعلم
بين المنبهات والاستجابات، فالبيئة هي التي تحدد كلية ما نفعله وما نتحكم فيه من
إرجاع وفقاً لهم.
ويعنى العلماء السلوكيون بدراسة المنبهات
البيئية والاستجابات التي تستثرها، والمكافآت أو العقاب الذي يعقب تلك الاستجابات،
لأن أنظمة المكافآت أو العقاب هي التي تقوي أو تضعف الارتباطات بين هذه المنبهات
والاستجابات.
مثال العدوانية عند الأطفال: يكون الأطفال
أكثر احتمالاً لإصدار السلوك العدواني (استجابة عدوانية)، مثل ضرب طفل أخر، عندما
تتم مكافأة هذه الاستجابات (كأن يتم تشجيعهم من الكبار) ولكن عندما يعاقبون يتوقفون
عن إصدار مثل هذه السلوكيات.
والتعلم وفقاً للسلوكية يمثل ميلاً مكتسباً
لدى الكائن للاستجابة بطريقة معينة عندما يواجه مثيراً معين في موقف ما.
ولذلك فإن إجابة عالم النفس السلوكي على سؤال
ماذا نتعلم؟ هي: نحن نتعلم الارتباطات السابقة.
أما
عن النقد الذي وجه للسلوكية هو تجاهلهم للعمليات العقلية والوعي والخبرات الذاتية
للفرد. فلا يعنى السلوكيون بالعمليات العقلية التي تتوسط العلاقة بين المثير أو
المنبه والاستجابة، ويُدرَك المتعلمون في ظل السلوكية على أنهم سلبيون فهم يخضعون
تماماً لبيئتهم. كما أن هذا المنحى يعجز عن تفسير السلوكيات الإبداعية أو
التلقائية أو الجديدة.
2- المنحى المعرفي:
يرى أصحاب هذا المنحى أن التعلم عملية عقلية
نشطة لاكتساب وتذكر واستخدام المعرفة. فأي تغير في المعرفة ينتج عنه تغير في
السلوك. وللأفراد دور نشط في التعلم والبحث عن المعلومات والوصول إلى استبصارات
جديدة. فهم ينتقون المثيرات ويوجهون انتباههم إليها ويتجاهلون بعض المعلومات.
والتعلم وفقاً لهم يمثل ميلاً مكتسباً لدى
المتعلم لتوقع أحداث متتالية، عندما يظهر مثير معين في موقف ما.
وبالتالي فالفرد يستفيد من المعرفة في تقرير
ما يفعله وليس مبرمج وفقاً للبيئة ومنبهاتها. وبذلك فإن إجابة المنحى المعرفي على
سؤال ماذا نتعلم؟ هي: نحن نتعلم المعرفة.
3- المنحى الاجتماعي المعرفي:
هناك العديد من أنماط السلوك التي يتعلمها
الفرد ولا تفسر عن طريق التشريط الكلاسيكي أو الاجرائي. فالفرد ربما يتعلم أنماط
سلوك عن طريق الملاحظة للسياق الاجتماعي أو مراقبة الآخرين.
تشترك المناحي المختلفة التي تأسست عليها
نظرية التعلم الاجتماعي المعرفي في تأكيد الفروض التالية:
1-يتفاعل الفرد مع البيئة تفاعلاً مستمراً،
ويؤثر كل منهما في الآخر بالقدر نفسه.
2- تؤدي الآثار الناتجة عن الاستجابة إلى
زيادة احتمال أن يقوم الفرد بأداء السلوك نفسه في موقف معين.
3- يتعلم الأفراد عن طريق ملاحظة سلوك
الآخرين، ونتائج هذا السلوك، دون وجود أي دعم خارجي.
4- يميل الأفراد إلى الاقتداء بالسلوك الذي
يشاهدونه لدى الأفراد الذين يتوحدون معهم، وهنا يصبح التوحد مع الآخرين دالة
للدرجة التي يفهم بها الفرد ذاته.
5- يحدث التعلم من خلال التفاعل بين
المتغيرات الشخصية والمتغيرات البيئية.
6- تؤثر توقعات الأفراد وإدراكاتهم المعرفية
فيما يفعلونه، كما أن وعيهم بنتائج سلوك معين يؤثر في اختياراتهم لهذا السلوك في
المستقبل.
7- يمكن للتعلم أن يحدث دون تغيير في السلوك،
فما نتعلمه في وقت ما قد تظهر آثاره في السلوك مباشرة أو في وقت لاحق، وقد لا تظهر
أبدا.
8- نظراً لأن التعلم الاجتماعي يحدث في سياق
اجتماعي، فإن ثقافة الفرد تؤثر في أسلوبه في التعلم والتفكير.
9- يقتضي التعلم الاجتماعي التخلي عن أنماط
قيمية مرفوضة، لاكتساب أنماط قيمية أخرى مقبولة اجتماعياً، كالتخلي عن قيم الجذب
لاكتساب قيم الصدق.
10- المتعلم وفقاً لمنظري هذا المنحى معالج
إيجابي للمعلومات، ولا يتصرف بشكل آلي، فالتعلم الاجتماعي ليس مجرد عملية تقليد
لاستجابات الآخرين.
11- للتعزيز دور هام في التعلم وفقاً للمنحى
الاجتماعي، فالثواب أو العقاب يحددان مدى رغبة الفرد في العزوف عن سلوك معين أو
اتيانه فيما بعد.

تعليقات
إرسال تعليق