- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
هل نحن حقا ضحية جيناتنا الوراثية؟
اعتدنا أن نقول مثلا شهيرا "الولد سر
أبيه"، وأن نقول أيضا بالعامية المصرية مثلا مشابها "اقلب القدرة على
فمها تطلع البنت لأمها"، فما سر هذا التشابه بيننا وبين آبائنا، إنه بالطبع
الجينات الوراثية التي ورثناها عنهما. ينقل والدينا معلوماتهم الجينية إلينا مثلما
فعل معهما والديهم، فكل خلية في أجسامنا تعود إلى هذه الخلية الأولى التي تعتبر
نقطة البداية لجيناتنا الوراثية.
يبدأ الإنسان حياته عن طريق خلية واحدة بها
46 كروموسوم على شكل زوجين متقابلين، يحمل كل كروموسوم عدد من الجينات التي تنتج
البروتينات المختلفة. نتجت الخلية من إلتقاء البويضة وما تحمله من "23
كروموسوم" والحيوان المنوي "ويحتوي أيضا على 23 كروموسوم"، جميعهم
متشابهين إلا ما يطلق عليه الكروموسوم الجنسي وهو المسؤول عن تحديد جنس الجنين من
ذكر أو أنثى، وهما نوعان كروموسوم من نوع X وآخر من النوع Y
في جميع الخلايا الموجودة في الرجال توجد في
نواة الخلية الكرومسومين الجنسيين "إكس واي" ما عدا الحيوانات المنوية،
وفي جميع الخلايا الموجودة في النساء توجد في نواة الخلية الكروموسومين الجنسيين
"إكس إكس" ما عدا البويضة.
بينما تنقسم الخلية الجنسية في الرجال لتنتج نصف خلية تحتوي
على كروموسوم "واي" وأخرى تحتوي على "إكس" يتسابقان لتلقيح الخلية
الموجودة في مبيض المرآة التي انقسمت إلى
نصفين في كل واحد منهما كروموسوم "إكس". فإذا التقي "واي"
الرجل مع "إكس" المرأة كان المولود ذكرا، وإذا التقى "إكس"
الرجل مع "إكس" المرأة كان المولود أنثى.
فيأخذ الطفل 50% من جينات الأب و50% من جينات
الأم عبر الحمض النووي "دي إن إيه" وبداخله تقع الشفرة الوراثية الفريدة
التى تعتبر مصدر كثير من سماتنا وخصائصنا مثل الطول ولون العين ونوع الشعر والميل
للصلع والميل لبعض الأمراض الوراثية. كل ذلك مشتق من خلية واحدة نتجت من تزاوج
نصفي خلية جنسية ومزيج فريد من الحمض النووي من الأبوين.
الجينات
هي جزء معين من الحمض النووي، يتم خلالها تمرير الصفات الوراثية من الأبوين، تشتمل
أيضا على معلومات أخرى عن بناء البروتينات، مثل طول البروتين ونوعه وكميته ووقت
إنتاجه. الجينات بالنسبة للحمض النووي عبارة عن الكتب بالنسبة للمكتبة، مساحات
محددة من المعلومات داخل مجموعة واسعة من المعارف الشاملة.
ولكن هل هذا الحمض النووي وما يحمله من جينات يحدد مصائرنا؟ ربما تكون الأجابة الصحيحة نعم ولا في نفس الوقت.
فكرة أن الحمض النووي مسؤول
عن سماتنا وقابليتنا للإصابة بأمراض مثل السكري والسرطان والإدمان والأمراض
الجسدية ربما تكون خاطئة. لأن هذه الفكرة ستجعلنا نعتقد أننا ضحية مجموعة من
الجينات الوراثية. مشكلة هذا الاعتقاد أنه سيجعلنا نشعر أننا غير مسؤولين عن
أنفسنا وربما إذا نستسلم لفكرة مرض ما في العائلة ونقول "لا يمكننا فعل شيء
حياله ومنعه فقد أصاب أبواي وأجدادي، فلم التجربة في منعه أو مقاومته؟".
هذه الفكرة تُرسّخ داخلنا بأننا أقل قوة من
الجينات، ولكن الأمر عكس ذلك.
هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على ما إذا
كنا نرث جينات لسمات معينة، وهناك العديد من المراحل بين ما نرثه وما إذا كان
سيظهر حقا على شكل سمة أو مرض معين. وكل مرحلة من الممكن أن تتأثر بمجموعة متنوعة
من العوامل مثل النظام الغذائي والبيئة والأدوية والتمارين الرياضية أو حتى بعض
الاحتمالات العشوائية أو الطفرات لحدوث أمراض.
تحتوي أحماضنا النووية على أكثر من 22 ألف
جين منتج للبروتينات، ولكن ليس كل هذه الجينات مستخدمة كل الوقت أو في كل خلية،
فعلى الرغم من تشابه الخلايا إلا أن كل خلية تقوم متمثلة في الجينات بإنتاج ما
تريده من بروتينات، فخلايا العظام تنتج بروتينات العظام، وخلايا الشعر تنتج
بروتينات الشعر، وخلايا الجلد تنتج بروتينات الجلد، وكما قلنا سالفا أن الجين هو
المسؤول عن تحديد مقدار البروتين والذي يسمى بالتعبيير الجيني Gene Expression، يمكن لكثير من العوامل أن
تؤثر على هذا التعبير داخل جين معين.
توصف الجينات التي يتم التعبير عنها بأنها
مفعلة أو نشطة أما الجينات التي لا يتم التعبير عنها فهي "كامنة أو
خاملة" ربما تنتظر المؤثر الخارجي الذي ينشطها. ومن هذه المؤثرات التي لها
القدرة على التأثير على التعبير الجيني العوامل الخارجية البيئية مثل الطعام الذي
نأكله ومستوى السكر في الدم، فعن طريق خلقنا لبيئة تساعد على ارتفاع مستوى السكر
في الدم داخل أجسامنا يمثل استجابة وتنشيط لميولنا الجينية المرضية.
في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي متغير واحد إلى
سمة كاملة أو مرض جديد، ولكن في أغلب السمات والأمراض تحتاج إلى تفاعلات معقدة
عديدة للجينات النشطة والكامنة. فما يمييز
إنسان عن آخر هو هذه المتغيرات الجينية، فالمتغيرات ليست سلبية بالضرورة، فمتغيرات
لون العين يعطينا أعين بنية أو زرقاء أو خضراء، كما أن متغير البروتين الذي يحمل
الأوكسجين في الدم يسبب مرض فقر الدم المعروف بالأنيميا.
يتكون جسم الإنسان من ما يقرب من 50 إلى 65
تريليون خلية، تؤثر المحفزات البيئية على الحمض النووي داخل الخلايا. يقول الدكتور
بروس ليبتون، صاحب كتاب بيولوجيا الاعتقاد، إن الخلية الواحدة مثلها مثل جسم
الإنسان ولها وظائفه، لها قدرة على التنفس والهضم والتكاثر والإخراج ووظائف الحياة
الأخرى. في السابق كان يعتقد أن النواة هي عقل الخلية ومركز التحكم بها، ولكن يؤكد
ليبتون أنه بعد القيام بتجربة إزالة النواة من الخلية، لم تتغير هذه الوظائف.
لدى ليبتون وجهة نظر تقول إن المحفزات
البيئية التي تتفاعل مع غشاء الخلية من الخارج ويتم التعرف عليها بواسطة مستقبلات
البروتين هي التي تتحكم في الخلية وليس الحمض النووي، فالحمض النووي يلتف حول
البروتين لحمايته، فتأتي الإشارات البيئية لثؤثر على البروتين مما يجعله المتحكم
في اختيار الجينات اللازمة للتفاعل مع البيئة عن طريق ما استقبله من إشارات
خارجية.
يقول ليبتون إن الحمض النووي ليس هو بداية
سلسلة التفاعلات بالخلية، ولكن إدراك غشاء الخلية للبيئة هو الخطوة الأولى، وإن لم
يكن هناك إدراك فلن ينشط الحمض النووي. لا يمكن للجينات تنشيط أو تفعيل نفسها
بنفسها، فهي لا تستطيع التحكم في نفسها، فإذا تم فصل الخلية عن أي محفز بيئي،
فستكون في وضع الخمول، سبب الحياة كما يقول ليبتون هو كيفية استجابة الخلية للبيئة
الخارجية أولاً.
ولكن ليس بالضرورة أن تأتي هذه الإشارة كإدراك
حقيقي للبيئة، فيمكن للإنسان أن يعيش في بيئة إيجابية لكنه يتصور ويدرك أنها
سلبية، والعكس صحيح. إذا فتصور الإنسان وفكرته عن البيئة هو الأصل الذي يرسل هذه
الإشارات إلى الخلية. فتصورنا للبيئة يعمل كمصفاة "فلتر" بين واقع
البيئة والتفاعل البيولوجي الذي يتم مع هذا الواقع، وعن طريق هذا الإدراك يتم
كتابة المعلومات داخل الجينات.
تشبه الجينات البرامج الموجودة داخل
الكمبيوتر. يمكن تقسيم هذه البرامج إلى فئتين: الأولى تتعلق بالنمو والتكاثر
والثانية بالحماية. عندما يشعر الإنسان بالحب تنشط جينات النمو، وعندما يقع في فخ
المخاوف والقلق تنشط جينات الحماية. ربما تكون هذه المخاوف والأوهام هي فقط في ذهن
الإنسان، وبتصوره ومعايشته لتلك المخاوف يميل الجسم إلى وضع المواجهة والأستعداد
أو الهروب، مما يهمل جهاز المناعة والأعضاء الحيوية داخل الجسم، فيتدفق الدم إلى
الأطراف، ويصبح الإنسان أقل ذكاءا وصفاءا للذهن.
ولكن على الرغم من توافر محفزات بيئية جيدة
إلا أنها أيضا ليست علامة على استقبال الخلية لإشارات إيجابية، فعلى سبيل المثال
يحصل الأطفال في دور أيتام أوروبا الشرقية على الكثير من المغذيات والبيئة الجيدة
إلا أنهم في ذات الوقت يفتقدون الشعور بالحب، وبالمقارنة مع من هم في مثل أعمارهم
وجد أنهم يظهرون تأخر في النمو من حيث الطول والتعليم وارتفاع نسبة الإصابة بمرض
التوحد، الذي هو أحد أعراض جينات الحماية التي تنشط كجدران يتم بناءها للإنعزال عن
البيئة التي تفتقد للحب. فربما هذا يوضح لنا كيف أن وجود مقومات حياة جيدة لدى
مرضى الاكتئاب الحاد لا يعد سببا كافيا يمنعهم أحيانا من أذية أنفسهم، ولكن يرجع
ذلك بسبب الأفكار والمعتقدات السلبية التي يرون من خلالها الحياة مما يضعف أجهزتهم
المناعية ويؤثر على قابليتهم لتنشيط جينات المرض الوراثية.
لدى الخبير في علم الأعصاب الدكتور جو
ديسبنزا تفسيرا آخر مشابها لما عرضه ليبتون، يقول إنه بمجرد تغيير أفكارنا
ومشاعرنا وردود أفعالنا العاطفية والسلوكية، يرسل المخ إشارات جديدة للخلايا
تجعلها تنتج بروتينات جديدة، وبمجرد إرسال معلومات جديدة للخلية يمكن إعادة كتابة
المخطط الجيني عن طريق الإشارات التي يستقبلها لجين. فلا تقتصر المشاعر حول كيفية
إدراكنا للعالم الخرجي ولكن كيف يتعامل دماغنا ويفسر ويدرك هذا الواقع. بالفعل لدى
بعض الناس جينات معينة أكثر عرضة وميل للمشاعر السلبية وربما مرض الاكتئاب ولكنهم
يحتاجون إلى محفز خارجي يهيئهم لتنشيط هذه الجينات. ففي دراسة أجريت عام 2008 من
المعهد الوطني للصحة العقلية، تشير إلى أن هناك جينات تجعل الشخص أكثر عرضة
للإصابة بمرض اضطراب ما بعد الصدمة PTSD ولكن الأكثر احتمالا أن يتعرض له من كان لديه
تاريخ من سوء المعاملة والإساءة أثناء الطفولة. ووجد فريق باحثين أن الاكتئاب
وارتفاع الكورتيزول يرتبطان بالتغيرات في العديد من الجينات الموجودة في الجهاز
الحوفي بالدماغ Limbic System المسؤول الرئيسي عن الاستجابة للتوترات
والمشاعر. وهو معروف بالمخ الإنفعالي ويمكن إجمال وظائفه في سبعة أمور، الانفعالات
والمشاعر والدوافع والسلوك والعدوانية والذاكرة والتعلم.
ليس فقط جيناتنا التي تتغير مع نظرتنا
التعيسة وإدراكنا السلبي للبيئة بل أيضا تشابكات الخلايا العصبية في الدماغ، فكما
يقال أفكارنا تصنع عالمنا، وبالفعل نحن ما نعتقده.
We are what we think
وبربط المشاعر والأفكار مع الجينات الوراثية، كتب أحدهم على إحدى صفحات مواقع التواصل الإجتماعي متأسفا على جيناته التي ورثها عن أبويه يقول "أنا عصبي جدا
بسبب أن هذه وراثة من العائلة ولا استطيع التحكم في نفسي مما أدى بي إلى
الإنعزالية والفشل الدراسي". فهنا هو حاول أن يبرر سبب فشله من وجهه نظره
بنوع من آلية الدفاع التي استخدمها عقله ليسقط اللوم على أبويه وجيناته. على الرغم
من أننا نجد أخوات يتشاركون نفس الجينات إلا أن أحدهم أرسل أوامر بتفعيل هذه
الجينات الوراثية والأخر لم ينشطها.
فلماذا نجد بين الأخوات من يصاب بنوع مرض وراثي
والآخر لا؟ فالجين يحتاج إلى إشارة من الإنسان تفعله وتنشطه مثل أن تكون فكرة ما
بالدماغ ترسل هذه الإشارة Electro-chemical
لخلايا الجسم لتستقبلها ويبدأ التعامل معها
عن طريق الجين وما ينتجه من بروتين.
فالبيئة وبرمجة الوالدين والمجتمع التي تربى
عليها الإنسان خاصة في مرحلة سنوات عمره الأولى إلى سبع سنوات ونظرته إلى نفسه وإلى
العالم الخارجي وأفكاره وما أحدثته من دوائر عصبية ثابته وراسخة بالدماغ كل ذلك من
الممكن أن يؤثر على القابلية لتنشيط الجينات الوراثية أو إخمادها.
نحن نمتلك قوة تغيير أنفسنا، فنحن لسنا ضحايا
لجيناتنا، بل ضحايا لمعتقداتنا وتصوراتنا التي نختارها لتفعيل هذه الجينات.
مقال للكاتب - محمد حسين
المصادر
Genetic Inheritance: Is DNA Destiny?
How Our Thoughts Control Our DNA
Joe Dispenza book Evolve Your Brain
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى

تعليقات
إرسال تعليق