- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
الدماغ هو الصندوق الأسود الذي يحوي كل
خبراتك التي مررت بها. وفقا للنظرية الحديثة لعلم الأعصاب فإن الدماغ عبارة عن
مرآة لما قد تعيشه في بيئتك، بداية من العلاقات المختلفة مع الأشخاص الذين تلتقيهم
في حياتك، جميع الأماكن التي زرتها أو عشت بها، كل الأشياء التي تمتلكها والأحداث
المألوفة لك، خبراتك العديدة التي اكتسبتها طوال سنوات عمرك، جميعهم شكلوا في
الأنسجة الدقيقة المرنة للدماغ. بل وحتى جميع تصرفاتك وسلوكياتك التي تقوم بها
مرارا وتكرارا قد تشكلت في هذه الطيات المعقدة للمنطقة الرمادية بالدماغ. إذن
فالدماغ مرآة للبيئة.
خلال اليوم العادي، نقابل أشخاصا مألوفين لنا،
ونواجه أمورا روتينة في ذات الأماكن ونفس الأوقات مع ذات الأشخاص. وفي هذه الحالة
الرتيبة التكرارية من حياتنا اليومية نكون أكثر عرضة للتفكير والتفاعل بطرق
تلقائية محفوظة. وكي نغير من هذا النظام يجب علينا أن نفكر ونتصرف بطريقة أعلى من
بيئتنا وظروفنا الحالية. أن نفكر بصورة أكبر وأعم من البيئة التي نعيش فيها.
في السابق كان المعتقد السائد أن الدوائر
العصبية التي تتشكل في الدماغ غير قابلة للتغيير، ولكن الحقيقة التي يثبتها علم
الأعصاب أننا أكثر مرونة وتكيف مما كان يُعتقد، وأنه يمكن لنا إعادة تشكيل الروابط
العصبية بالدماغ وتغيير سلوك لا نرغب به من أجل آخر نريده. نحن نمتلك الكثير من
القوة التي تستطيع تغيير أدمغتنا وسلوكياتنا وشخصياتنا، وبناء عليه تغيير كامل
حياتنا وواقعنا الذي لا نرغب به.
ولنأخذ بعين الاعتبار هؤلاء الأفراد الذين
صنعوا التاريخ، وارتقوا فوق ظروفهم وبيئتهم، مواجهين هجمات الحياة التي اعترضت
طريقهم، فتعالوا عليها وأحدثوا تغيرات هائلة.
على سبيل المثال، لو لم يؤمن مارتن لوثر كينج
بإمكانية خلق واقع مختلف مواجها كل العراقيل التي اعترضته ونضاله من أجل المساواة والحرية
وحقوق الأشخاص ذوي البشرة السمراء، لما كان لحركة الحقوق المدنية كل هذا الزخم
والتأثير الذي وصلت له. وهو ما حاول مارتن أن يصفه في خطابه الشهير على أنه
"حلم" ولكنه كان يعيشه من أجل حياة أفضل حيث المساواة بين الجميع دون
تمييز. كيف كان قادرا على مواجهة الواقع والبيئة؟ ببساطة لأنه استخدم حواسه فرأى
وسمع وشعر وعاش وتنفس بعالم مختلف بناه في عقله بعيدا عن العالم الذي كان يعيشه
معظم الناس في هذا التوقيت. كانت لديه نفاذ بصيرة أقنعت الملايين بعدالة قضيته.
تغير العالم بسبب قدرة شخص على التفكير والتعامل بصورة أكبر وأعظم من حدود وقيود
المعتقدات التقليدية السائدة.
لم يحتفظ مارتن بهذا الحلم في عقله فقط، بل
عاش حياته كما لو أن هذا الذي يرجوه بدأ يتحقق. كانت الفكرة حية في ذهنه لدرجة أنه
يبدو أن هناك احتمالية كبيرة أن دماغه قد تعامل معها على أنه قد حدثت بالفعل.
أثبت علم الأعصاب أنه يمكننا تغير أدمغتنا عن
طريق التفكير بطريقة مختلفة فقط. فمن خلال فكرة البروفة العقلية "التخيل
الذهني أي تخيل أداء فعل معين بشكل متكرر" يمكن للدوائر العصبية في أدمغتنا
أن تعيد تنظيم نفسها لتعكس النوايا الجديدة للفعل المتخيل. في إحدى الدراسات، أثبتت
أن الأشخاص الذين يقومون بالتخيل الذهني للعب نوتة موسيقية معينة ساعتين يوميا
لمدة خمسة أيام أحدثوا نفس التغيرات في الدماغ كالأشخاص الذين تدربوا عليها فعليا.
ولوضع هذه المسألة في سياق أعم، عندما نقوم بالتركيز وتوجيه الدماغ نحو شيء محدد،
لا يفرق الدماغ هنا بين العالم الداخلي للعقل والبيئة الخارجية.
هذا النوع من "المعالجة الداخلية"
يسمح لنا أن نعيش أحلامنا وتصوراتنا الداخلية على أن يقوم الدماغ بتعديل تشابكاته
العصبية دون أن يكون قد اختبر الحدث واقعيا. فعندما نغير من أدمغتنا بعيدا عن
أحداث البيئة الواقعية ونصر على الخيال مع التركيز المستمر، فإن الدماغ سيكون
سابقا للتجربة الخارجية الواقعية، أي سيتعامل الدماغ كما لو أنها حدثت بالفعل. وفي
حين نواجه الظروف والتحديات التي تقف عقبة أمامنا، يجب أن نعيد تشكيل دوائرنا
العصبية لتمكننا من التصرف والثبات مع أهدافنا ونوايانا. ببساطة كلما شكلنا دوائرنا
العصبية ورسمناها على النحو الذي نريد كانت لنا قدرة على التعامل مع التحديات.
عندما نغير من تفكيرنا ستتغير أدمغتنا وعندما تتغير أدمغتنا يتغير عقلنا.
ما الذي فعله مارتن لوثر كينج أو أي قائد
عظيم أنه وحدّ عقله وجسمه من أجل تحقيق هدف واحد. بمعنى آخر، لم يفكر في شيء ثم
يقوم بفعل شيء آخر معاكس له ولنواياه، فقد كانت أفكاره وأفعاله تتماشى تماما نحو
نفس الهدف والنتيجة. ليس هذا تعريفيا مخالفا للقيادة الحقيقية، فعندما نستطيع
تركيز عقلنا مع هدف منشود ثم نلزم الجسم على التصرف بشكل ثابت مع النتيجة المرجوة،
فإننا نعيش ما يسمى بالعظمة. حرفيا نعيش في المستقبل، وسيبدأ جسمنا في التغيير من
أجل تجهيزنا للتجربة الجديدة.
أظهرت إحدى الدراسات أن الرجال الذين قاموا
بأداء تمارين تخيلية لرفع الأثقال لمدة قصيرة يوميا اكتسبوا زيادة بنسبة 13 % في
حجم عضلات الذراعين دون لمس أي وزن، تغيرت أجسامهم لتناسب تفكيرهم ونواياهم.
فحينما نتعرض في المرة المقبلة مع رؤية أو
هدف يتعارض مع الظروف البيئية الحالية، من الممكن أن نستعد لها عن طريق التفكير
والتصرف مع قناعة ثابتة وقوية. في الحقيقة كلما فكرنا أو شكلنا صورة معينة لسلوكنا
في ظرف معين بالمستقبل، كان من السهل علينا أن ننفذ طريقة جديدة للتعامل مع الواقع
لأن العقل والجسم يتحدنان من أجل تنفيذ هذه الغاية.
ما الذي يجعلنا نتحدث عن التغير الحقيقي؟
الإجابة هي: مشاعرنا وعواطفنا. المشاعر والعواطف هما المنتجات النهائية لأي تجربة.
عندما نكون في خوض تجربة ما، تبدأ جميع حواسنا الخمس بجمع البيانات الحسية وإرسال
معلومات إلى الدماغ من خلال مسارات الحواس المختلفة. وبينما يحدث ذلك، تتجمع
مجموعة هائلة من الخلايا العصبية وتشكل نفسها بصورة تعكس هذه الخبرة.
في
اللحظة التي تتجمع فيها الخلايا العصبية لتكوّن شبكات من الدوائر العصبية، تبدأ
بإنتاج وإرسال المواد الكيميائية الدماغية, والتي تعتبر المسؤول الأول عن المشاعر.
إذن المشاعر والعواطف عبارة عن ذاكرة عصبية
كيميائية للخبرات السابقة. يمكننا أن نتذكر حدث أو تجربة ما بصورة أوضح عندما
نسترجع المشاعر المرتبطة بها. على سبيل المثال، هل تتذكر أين كنت وقت زلزال 1992
في مصر أو وقت إندلاع ثورة 25 يناير أو أي حدث هام كأحداث 11 سبتمبر في أمريكا؟
يمكن أن تتذكر بالضبط أين كنت في ذلك اليوم لأنك تستطيع أن تتذكر المشاعر الجديدة
التي أخذت كامل انتباهك. بل أكثر من ذلك ربما تكون مشاعر مختلفة لم تمر عليك من
قبل خلال حياتك.
لنعود لفكرة التغيير، إذا ارتبطت مشاعر بخبرة
معينة لمدة طويلة بالذاكرة، فعندما نواجه عقبات حالية في حياتنا تتطلب منا التفكير
والتصرف بطرق جديدة، ثم نستخدم مشاعرنا المعتادة كمقياس للتغيير، فإننا بكل تأكيد
ننحى بأنفسنا عن التميز. فكر معي في هذا الأمر. مشاعرنا تعكس الماضي "ما
مررنا به من خبرات". ولكن التغيير هو التخلي عن طرق التفكير السابقة، المشاعر
والتصرقات المعتادة، وعندها يتسنى لنا الاتجاه نحو المستقبل بنتائج جديدة. أن
تتغير أي أن تفكر وتتصرف أكبر من حدود ما تشعر به. المشاعر مثل الخوف والقلق
والاحباط والجشع والأنانية كلها مشاعر مألوفة لنا، حتى في وسط ما نحاوله من تغيير
إذا قررنا الاستسلام لتلك المشاعر فإنها ستتجه بنا إلى طريق غير مناسب.
هل يمكننا إذا التفكير في تغيير أنفسنا؟ عن
طريق تعلم التفكير بشكل مستقل عن سيل المحفزات البيئية، إذا ما طبقناه بشكل ملائم،
نكتسب مهارة من شأنها أن تغير أدمغتنا وعقلنا لتؤهلنا للمستقبل. يبدو أن فن إصلاح
الذات كما لو أنه يختفي في ظل ثقافة تكنولوجية تغمرنا بكم هائل من المعلومات التي
تجعلنا مدمنين للعالم الخارجي الذي يحفزنا على التفكير من خلال أحداث البيئة فقط،
فهل نحن حقا أحرار؟ معظمنا تائه دون حتى أن يجد متعة في المراسلات النصية
والمكالمات الهاتفية والانترنت. يجب أن نحدد وقت من أجل التأمل والتخطيط للمستقبل،
والتأمل الذهني من أجل تغيير السلوكيات التي نرغب في تعديلها، والتفكير في طرق جديدة
من شأنها مساعدتنا على بناء شخصياتنا، وهو ما سيؤدي بنا إلى الارتقاء فوق مصائرنا
وأقدارنا الجينية القابلة للتنبؤ.
انتظروا : المقال القادم – كيف يغير التفكير
من جينات الإنسان الوراثية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى

تعليقات
إرسال تعليق