سيكولوجية التعلم: 2- تعرف على بعض مناحي التعلم التي فسرت السلوك الإنساني

هل الإباحية تسبب الإدمان؟ تعرف على التغيرات التي تحدثها الإباحية في الدماغ




مترجم: مدونة وعلَّم

صدق أو لا تصدق! تشير الدراسات إلى أن هؤلاء الذين يشاهدون المواد الإباحية بشكل معتاد لديهم دماغ أقل ارتباطا، وأقل نشاطا، وأقل حجما في بعض المناطق.
ولكي نكون منصفين، فإن الدراسات تظهر ارتباطا بين مشاهدة الإباحية وصغر حجم الدماغ وقلة نشاطه، ولكنها تطرح سؤالا: هل يمكن حقا للإباحية أن تغيير من أدمغتنا؟
كان العلماء في السابق يعتقدون أنه بمجرد الانتهاء من مرحلة الطفولة فإن عقلك يفقد القدرة على النمو, فقد كانوا يفترضون أن لا شيء يمكنه أن يغيير دماغ الإنسان البالغ إلا المرض والإصابات. الآن أصبحنا نعلم أن الدماغ يمر بمراحل تغيّر خلال حياة الإنسان، ويقوم بإعادة   وتشكيل نفسه بشكل مستمر وتعيين اتصالات جديدة بين الخلايا العصبية، وهذا يحدث غالبا في فترة الشباب.

اعلم أن الدماغ يتكون من نحو 100 مليار خلية عصبية (عصبون)  ترسل وتستقبل الإشارات الكهربائية بين أجزاء الدماغ وأجزاء الجسم الأخرى. تخيل أنك تتعلم عزف سلم  "مي" على آلة الجيتار. يرسل عقلك إشارة إلى يدك يقول لها ما الذي يجب أن تفعله. هذه الإشارات تنتقل من خلية عصبية إلى آخرى، وهذه الخلايا العصبية النشطة تبدأ في تكوين اتصالات لأن "الخلايا العصبية التي تندفع معا، تشتبك وترتبط معا" كما يقول علماء الأعصاب “neurons that fire together, wire together.”  هذه التشابكات العصبية الجديدة تشكل ما يسمى ب "المسار العصبي".

تخيل المسار العصبي كطريق في غابة، كلما مر في هذا الطريق شخص فإنه يحدث به أثر ويجعله أوضح وأوسع وأكثر استدامة. وبالمثل، كل مرة تنتقل رسالة عبر المسارات العصبية، تجعلها أقوى وأرسخ. ومع التكرار الكافي، فإن المسارات العصبية لديك ستصبح أقوى وستسطيع أن تعزف سلم "مي" دون حتى تفكير. وهذه العملية لبناء مسارات عصبية أقوى وأسرع هي التي تساعدنا على تعلم أي مهارة جديدة، سواء كانت حفظ المعادلات الرياضية أو تعلم قيادة السيارة. الممارسة المستمرة تؤدي إلى الإتقان.

ولكن هناك فخ، دماغك عضو جائع جدا. ربما لا يزن هذا العضو إلا نحو 2% من وزن الجسم، لكنه يلتهم 20% من طاقتك ومن الأكسجين. وعلى الرغم من ذلك، الموارد في دماغك قليلة جدا، وهناك منافسة شرسة بين مسارات الدماغ، فهذه التي لا تستخدمها بشكل كاف من المرجح أن يتم استبدالها، كما في القول الشهير "استخدمه أو ستفقده" فالذي ينجو منهم هو الأقوى. 


 هذا ما تفعله الإباحية في الدماغ

تشكل الإباحية مسارات جديدة طويلة الأمد بشكل غير مسبوق في الدماغ. في الواقع، تعتبر الإباحية منافس شرس لا يستطيع بالكاد أي نشاط أخر منافستها، بل وحتى ممارسة الجنس الفعلي مع شريك حقيقي. هذا صحيح، يمكن للإباحية أن تتغلب على قدرة الدماغ الطبيعية في ممارسة الجنس الحقيقي. لماذا؟ يشرح ذلك الدكتور نورمان دويدج، الباحث في جامعة كولومبيا، الإباحية تخلق الظروف المثالية وتطلق مواد كيميائية مناسبة لإجراء التغيرات الدائمة في الدماغ.

 الظروف

الظروف المثالية لتشكيل مسارات عصبية قوية تحدث في الحالة التي يسميها العلماء  ب "الاسترسال". والاسترسال هو حالة من التركيز الشديد مع الشعور بالارتياح والرضى العميق. وعندما تكون في حالة الاسترسال فإنك تنغمس بشكل جاد فيما تقوم به ولا يبدو أي شيء آخر غيره مثير للاهتمام. من المحتمل إنك اختبرت هذا الشعور من قبل، أثناء ممارسة لعبة ما أو الإنغماس في حوار مع الأصدقاء أو قراءة كتاب شيق. كان كل تركيزك على ما تقوم به مما أفقدك الشعور بمرور الوقت، وكل ما حولك بدأ في الاختفاء والتلاشي. أردت أن يستمر ما أنت فيه إلى الآبد. وهذا هو الاسترسال.
عندما تدخل في حالة الاسترسال،  فهي بمثابة امتلاكك لقدرات خارقة. يطلق عليها الرياضيون "أن تكون في حالة من الحماس" عندما يبدو لك أنك تفعل كل شيء بشكل صحيح. يصبح تركيزك مكثف، وذاكرتك هائلة. وبعد مرور سنوات، ستظل تسترجع نفس الكلمات من الحوار مع الأصدقاء أو تفاصيل ما كنت تقرأه.

الآن تخيل شخص جالس أمام جهاز الكمبيوتر في الساعة الثالثة صباحا، يشاهد الإباحية، مستغرق في نشوة الإباحية التي لا يمكن أن ينافسها شيء أخر ليحصل على اهتمامه وتركيزه، ولا حتى الشعور بالنعاس. وهنا هذا الشخص في أفضل الظروف المثالية لتشكيل مسارات عصبية، وهو ما يقوم به بالفعل. فهو ينقر من صفحة إلى أخرى بحثا عن المشهد الأمثل الذي يختاره للاستمناء أثناء المشاهدة، وغير مدرك أن كل صورة ولقطة يشاهدها تعزز من المسارات العصبية للإباحية، ويقوم بتشكيل وصياغة دماغه. حتى الآن، اشتعلت هذه الصور والمشاهد في دماغه ونُحتت بشكل عميق، مما يجعله يتذكرها لفترة طويلة ويسترجعها في المستقبل، وربما طوال حياته. 

المواد الكيميائية

كغيرها من المواد والسلوكيات المسببة للإدمان، تُنشّط الإباحية جزء من دماغك يسمى "مركز المكافأة"، عن طريق إثارة وإفراز مجموعة مختلفة من المواد الكيميائية التي تعطيك حالة مؤقتة من الإثارة والإنتشاء. أحد هذه المواد نوع من أنواع البروتين يسمى
DeltaFosB هل تذكر عندما قلنا أن بناء مسارات عصبية مثله مثل شق طريق في الغابة؟ حسنا، DeltaFosB مثلها كفريق من الكشافة معهم مَعاول (آلة من الحديد ينقر بها الصخر، أداة تحفر الأرض – المعاني) ومجارف (أداة يُجرف بها التراب والثلج- المعاني) يعملون كالقنادس (حيوان من رتبة القوارض) لتنظيف وشق مسار الطريق. تطوف مادة DeltaFosB حولهم، يصبح الدماغ مؤهلا لإنشاء وصلات عقلية قوية بين الإباحية التي يشاهدها الشخص والمتعة التي يشعر بها أثناء مشاهدة الإباحية والاستمناء في ذات الوقت. في الأساس، تقول مادة DeltaFosB  "هذا الشعور جيد، دعنا نتأكد من أننا سنتذكره حتى نتمكن من القيام به مرة أخرى".  
DeltaFosB  مادة هامة في تعلم أي نوع من المهارات الجديدة، ولكنها أيضا يمكن أن تؤدي إلى  السلوكيات الإدمانية القهرية، وخاصة مع المراهقين.
DeltaFosB  تشير إلى "الجزيء الذي يعمل كمفتاح تشغيل للإدمان" وذلك بسبب تراكمها بشكل كاف في الدماغ، فتعمل على تحفيز الجينات التي تخلق الرغبة التواقة للعودة لفعل شيء ما مرة أخرى، مما يدفع المستخدم (للإباحية هنا) للعودة مرة أخرى لطلب المزيد. وبمجرد إفراز هذه المادة تظل موجودة في الدماغ لأسابيع وربما شهور، وهو ما يفسر ما يشعر به مُشاهد الإباحية من الرغبة القوية الشديدة لمشاهدة الإباحية بعد فترة طويلة من توقفه عن هذه العادة.


ولكن هناك خبر سار، neuroplasiticity المطاوعة العصبية تعمل في كلا الاتجاهين. إذا لم يتم تعزيز مسارات الإباحية، فإنها سوف تختفي في نهاية المطاف، وبالتالي فإن آليات الدماغ نفسها التي تحدد مسارات الإباحية يمكن أن يتم استبدالها بشيء آخر. فإن كان قد حان الوقت بالنسبة لك أو أحد الأشخاص الذين تهتم بهم للمساعدة في عملية التعافي، فإننا سنقوم بمساعدتكم.

تعليقات