سيكولوجية التعلم: 2- تعرف على بعض مناحي التعلم التي فسرت السلوك الإنساني

دماغ الرجال والنساء أثناء ممارسة الجنس - من الإثارة إلى النشوة الجنسية



بقلم كارلا كلارك: ترجمة مدونة وعلَّم

يكمن الجنس كليةَ في رؤوسنا دون مبالغة في القول. تشارك أدمغتنا في كل مراحل السلوك الجنسي وكل تنوعاته وتغايراته، من الشعور بالرغبة الجنسية واختيار الشريك إلى الإثارة والنشوة وحتى عناق ما بعد الجماع.

الآن ومع مئات الدرسات للتصوير الدماغي العصبي على السلوك الجنسي البشري, أُدمجت نتائج هذه الدراسات مؤخرا مع تحليلات احصائية (تحليلات ميتا) مما يسمح بتحسين الدقة في تحديد مناطق الدماغ النشطة. هذا المقال يكشف عن النمط العصبي للإثارة الجنسية, وأحدث الأبحاث عن الوصول للنشوة الجنسية والتشابهات المذهلة والاختلافات الملحوظة بين الإثارة الجنسية في دماغ الرجال والنساء. 

النمط العصبي للإثارة الجنسية

اظهرت التحليلات الإحصائية (تحليلات ميتا) لدراسة 58 حالة عن طريق التصوير الدماغي العصبي للرجال الغيريين والمثليين، وعدد أقل من النساء الغيريات، عند مشاهدة صور ومقاطع مثيرة، أسفرت عن تغيير في أربعة عناصر متعلقة بأنماط نفس عصبية للإثارة الجنسية. وفيما يلي وصف للمكونات الرئيسية للعناصر الأربعة:

العنصر المعرفي: الإدراك والتقييم

المرحلة الأولى من هذا النمط هي العنصر المعرفي، حيث يدرك الشخص المحفز البصري الجنسي ويحكم على طبيعته الجنسية ومن ثم يركز اهتمامه بناء على ذلك. والذي قد يؤدي إلى بروفة عقلية تخيلية لممارسة الفعل الجنسي.  يعتقد أن أجزاء من قشرة الفص الجبهي البطني الأنسي The Ventromedial Prefrontal Cortex  خلال اتصالها بالمكافأة التي تأتي من الجهاز الحوفي
Limbic System  والأجهزة المسؤولة عن المشاعر فضلا عن المناطق المعنية بحواسنا، يعتقد أنها تعزز الإدراك والتصنيف  لمثيرات الإنجذابات والرغبات الجنسية.
وبالتالي يغير هذا من تركيز الشخص وانتباهه إلى المثير الجنسي، ويخلق قوة عالية من النشاط تلاحظ في مناطق المعالجة البصرية من الفصي الصدغي والقذالي، وهذا يشمل القشرة غير المخططة (وهي أحد قشرتين بالفص القذالي قشرة مخططة وأخرى غير مخططة) وهي منطقة متخصصة في إدراك جسم الإنسان. كما أن قشرة الفص الجبهي البطني مرتبطة بشكل جيد مع جميع أنماط الحواس الخمسة فمن المعقول افتراض أنها ستؤثر بالمثل على التركيز وإدراك الحواس الأخرى مثل التذوق والشم واللمس والسمع.

 العنصر العاطفي

تشارك اللوزة الدماغية Amygdala  في تقييم الرضى العاطفي للحالة الجنسية، والتي تساعد بجانب قشرة الفص الجبهي البطني في التحكم في المعالجة الحسية والانتباه. هذه المعالجة الشعورية للوزة الدماغية ترتبط ارتباطا وثيقا بمناطق التحفيز في الدماغ، وبالتالي تعمل على توجيه السلوك.
من ناحية أخرى، في التجارب التي تشتمل على إثارة جسدية يدوية أو أثناء النشوة الجنسية، وجد تعطيل (تثبيط) في اللوزة الدماغية. ومن المثير للاهتمام يُعتقد أن مثل هذا التعطيل في اللوزة الدماغية يساهم في فرط النشاط الجنسي والسلوك الجنسي المتعدد لدى الأفراد الذين يعانون من متلازمة كلوفر بوسي. (هي متلازمة ناتجة عن تلف في الفص الصدغي" بما في ذلك النواة اللوزية الشكل"  في كلا جانبي المخ. قد يصاحب متلازمة كلوفر بوسي فرط الأكل، فرط الرغبة الجنسية، وعمى إبصاري)
لا يعتبر هذا العنصر عاطفيا بشكل بحت، حيث أنه أيضا يستلزم كلما ارتفعت مشاعر المتعة الجسدية التي يختبرها الشخص كلما اصبح أكثر استثارة جنسية. وهذا يشتمل على التنشيط في القشرة الحسية الجسدية اليسرى التي ترتبط عصبيا بالأعضاء التناسلية.


العنصر التحفيزي

يتداخل العنصر التحفيزي مع العنصر العاطفي في الإثارة الجنسية، ومن ثم فهو يتضمن بشكل كبير على الدوبامين الذي يتم افرازه في الجهاز الحوفي (الدوبامين: مادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه، والتوجيه وتحريك الجسم. ويؤدي الدوبامين دوراً رئيسياً في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان). وتثبت الدراسات أن أكثر هذه المناطق نشاطا باستمرار هي القشرة الحزامية الأمامية ACC (لهذه القشرة دور في عدة وظائف مستقلة مثل ضبط ضغط الدم وسرعة القلب. كما لهذه القشرة دور في الوظائف العقلانية المعرفية مثل اتخاذ القرار والمشاعر. والتحكم في الاندفاع والمشاعر) والمهاد وما تحت المهاد والقشرة الجدارية (وهي المنطقة التي يعتقد أن الكثير من الاتصال المتبادل بين الأبنية الحسية المختلفة يقع فيها، وإذا تلف الجانب الأيمن من القشرة الجدارية تحدث إدراكات حسية وردود أفعال غريبة للغاية).
ما يحدث من عمليات في هذه المناطق الحوفية (مرتبطة بالنظام الحوفي) هو ما يوجه السلوك نحو الهدف الجنسي، والتي تتضمن الدوافع والإلحاحات الجنسية والرغبات ومشاعر المكافأة. في حين إثارة وتحفيز القشرة الحزامية الأمامية للقرود تسبب لهم انتصاب، يبدو أن في البشر striatum هو المنطقة الوحيدة التي وجد أنها مقصورة على العنصر العاطفي التحفيزي للإثارة الجنسية وحدها، على عكس الإثارة العاطفية العامة.


العنصر الفسيولوجي (الوظائفي)

عندما يتعلق الأمر بالحالة الفسيولوجية فإن هناك عوامل متعددة تظهر على الشخص عند الإثارة الجنسية مثل تسارع نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم واستجابة من الأعضاء التناسلية وتغير الهرمونات، كل ذلك يؤهل ويعد الجسم للعلاقة الجنسية. يتحكم الدماغ أيضا في هذا الاستعداد الجنسي الفسيولوجي.

ووفقا للنمط، يشارك تنشيط القشرة الحزامية الأمامية ومنطقة anterior insula و  putamens أو البطامة (هي بنية دائرية في قاعدة الدماغ الأمامي) وتحت المهاد، جميعهم يشاركون في توليد الاستجابة اللإرادية والهرمونية للاستثارة الجنسية. في الرجال يعتبر تحت المهاد (يحتل تحت المهاد الجزء الأكبر من الدماغ البيني حيث يقع أسفل المهاد وفوق ساق الدماغ، ويوجد تحت المهاد في أدمغة جميع الثدييات والبشر) الأكثر ارتباطا بالاستجابة الجنسية الذكورية وانتصاب القضيب عند رؤية المثيرات الجنسية، من خلال تحكمه في كل من الجهاز العصبي اللاودي والجهاز العصبي السمبتاوي.


التثبيط (الكبح)

واخيرا، يعتقد أن عمليات التثبيط والكبح للشهوات تجعلنا نتصرف على النحو الملائم ولا نخضع للدوافع والإلحاحات التي ربما لا تكون مقبولة لدى الشريك المحتمل. وعلى العكس من ذلك، قد يمنع الكبت الزائد من المتعة الكافية في العلاقات الجنسية. تضم مناطق الكبح مناطق بالفص الصدغي والقشرة الحزامية الأمامية وقشرة الفص الجبهي البطني. ومن المعروف أن أي تلف في هذه المناطق يسبب سلوكيات اجتماعية مضطربة وفرط السعي إلى المتعة.

 الرجال مقابل النساء : ليسوا بهذا الاختلاف

على الرغم من أن دراسة الرجال الغيريين قد سيطرت على الأدب بصفة عامة، لكن مناطق الدماغ التي تنشط أثناء الإثارة الجنسية لدى الرجال والنساء على الرغم من اختلاف توجهاتهم الجنسية متشابهة إلى درجة كبيرة. لاحظت الدراسات التي تقارن الإثارة الجنسية بين دماغ الرجال والنساء بشكل عام، أن النساء لديهن استجابات أقل للمحفزات الجنسية البصرية المشتركة في كل دراسات التصوير الدماغي العصبي.
ومع ذلك قامت دراسات قليلة نسبيا بإجراء مقارنة بين مشاركين من الذكور والإناث ، وعلى الرغم من وجود فروق جنسية متمايزة في منطقة التنشيط الجنسي في الدماغ، إلا أنهم اظهروا تباين وتفاوت خلال الدراسات. وسيكون من الضروري إجراء بحوث أكثر دقة لتحديد أي من النتائج يمكن الاعتماد عليها بثقة وما هي الاختلافات الجنسية الموجودة بين الجنسين.


السياق هو العامل الأساسي

تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن السياق المحدد وشكل المحفزات الجنسية البصرية المستخدمة عادة في دراسات التصوير الدماغي العصبي قد لا تكون كافية لتحديد مدى الإثارة الجنسية عند المرأة العادية ومساوتها بالرجل العادي خلال تعرضهما لمثير بصري جنسي
– النساء مخلوقات أكثر تعقيدا على الجانب الجنسي. في الواقع أظهرت بعض الدراسات أن النساء لديهم استجابة عصبية أعلى من الرجال عند شم الفيرمونات (روائح جنسية) في عرق الشركاء الجنسيين. 

 في الآونة الأخيرة عند إجراء مقارنة بين استجابة الرجال والنساء لأشرطة الفيديو المثيرة جنسيا (الإباحيات) سواء التي تؤهل نفسيا لإقامة علاقة جنسية (عن طريق القصة والعنصر العاطفي) أو جسديا عن طريق تأهيل الجو العام للعلاقة (وتعرض للعلاقة الجنسية والأعضاء التناسلية بشكل صريح) كانت استجابات النساء الجنسية أقوى تجاه الأشرطة المؤهلة نفسيا، في حين فضّل الرجال الأشرطة المثيرة جسديا التي تعرض صورا جنسية صريحة.
تشير الأبحاث أيضا إلى أن النساء لديهم عنصر زمني أكثر عمقا من الرجال تجاه الإثارة الجنسية. وعلى الرغم من عدم المعرفة الكافية في الوقت الحالي، يعتبر أقل وقت للإثارة الجنسية خلال مرحلة follicular phase الطور الجُريبي (أو الطور التكاثري وهو طور من اطوار الدورة الشهرية) وهو فترة التخصيب المحتملة، يؤهل هذا الطور النساء للاختيار والحذر عند الشروع في إقامة علاقة جنسية في هذه الفترة. 

التفضيلات الجنسية

يظهر الرجال رد فعل عصبي نشيط في مناطق الدماغ التي تحتوي على الانتباه البصري والحافز وإثارة الأعضاء التناسلية للمحفزات المثيرة التي تصور أحد الجنسين المفضل، ورد فعل قليل جدا في هذه المناطق للمحفزات المثيرة التي تصور النوع الأخر من الجنس الذين لا يفضلونه، بينما تظهر النساء ردود أفعال واستجابات مماثلة لكلا النوعين من المحفزات المثيرة. بعبارة أخرى، كل من الرجال الغيريين والمثليين لديهم تنشيط دماغي أقوى تجاه الصور للجنس المفضل بالنسبة إليهم من الصور والمقاطع للجنس غير المفضل لهم. وعلى النقيض من ذلك، لدى النساء استجابات أكثر تشابها لكلا الجنسين ولا تختلف بين التوجهات الجنسية.

النشوة الجنسية وأنماط تنشيط الدماغ

وبالمثل، على الرغم من التصور العام أن النشوة الجنسية الذكورية من المريخ بينما النشوة الجنسية الأنثوية من الزهرة، لدى الرجال والنساء نفس أنماط نشاط الدماغ خلال النشوة الجنسية. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من الدراسات التي تظهر تماثل أنماط نشاط الدماغ، تتنوع النشاطات المتمايزة والتثبيطات تبعا لكيفية الوصول إلى النشوة الجنسية.
في كلا الجنسين هناك أربعة أنظمة عصبية مختلفة تربط الدماغ بالأعضاء التناسلية، والتي تعمل مع زيادة التحفيز على إطلاق إشارات مثيرة للدماغ عند الوصول للنشوة الجنسية. وبالتالي تبدو جميع المناطق في الدماغ منتبهه، بينما يتم اغلاق القشرة الأمامية الجبهية واللوزة الدماغية كما يحدث عند تعاطي الهيروين.
تسمح المثبطات الجنسية لتشكيل إزالة تثبيط جنسي مؤقت من أجل الوصول للنشوة الجنسية، وانتشالنا من صوت العقل الذي يسيطر على سلوكنا والتفكير النقدي. 

المواد الكيميائية العصبية المصاحبة لحالة النشوة الجنسية

لا يمكننا أن نتغاضى عن مجموعة المواد الكيميائة العصبية الناتجة عن فرط السعادة أثناء وبعد النشوة الجنسية. كيف تتفاعل أجساد الرجال والنساء مع هذا الخليط من المواد الكيميائية، مثل الأوكسيتوسين والبرولاكتين والأنروفين، ربما يكون السبب في الاختلاف العميق بين الجنسين وما يحيط من غموض وجدال. تنسب العديد من الوظائف لهذه التدفقات في المواد الكيميائية بداية من التقارب والاحتضان إلى تعزيز الفرص في علاقة جنسية ناجحة. 

 النتائج المستقبلية للتصوير العصبي والدماغ في العلاقة الجنسية

إلى الآن لم تكشف الأبحاث العلمية بشكل أساسي إلا عن القمة الظاهرة من جبل الجليد ولا يزال القاع غير مكتشف بعد عندما يتعلق الأمر بفهم ما يحدث في الدماغ عند الإثارة الجنسية. التطور والتوسع في الأنماط العصبية للإثارة الجنسية ينبغي أن يقدم معلومات قيّمة عن الجوانب الإدراكية والعاطفية والتحفيزية والفسيولوجية للإثارة الجنسية. وكما نرى أن هذه الدراسات تقع بين الحدود العقلية والجسدية، فإن ما يستجد من تطورات سيسلط الضوء بكل تأكيد على النظريات الفرودية للرغبات الجنسية.
الأهم من ذلك، اكتساب فهم عميق للأسس العصبية في الإثارة الجنسية سيساهم في نهاية المطاف في حل مشاكل الصحة العامة مثل الاضطرابات والجرائم الجنسية.لا يزال لدينا الكثير لنتعلمه. 

تعليقات